رأى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مقتل موظفي السفارة الإسرائيلية فرصة جديدة لربط الأحداث ببعضها، إذ يتبع نهج الدولة الأمنية الإسرائيلية الذي يربط كل عملية قتل لليهود أو المواطنين الإسرائيليين في أي مكان في العالم بمعاداة السامية. في هذا الخطاب، يعتبر الاعتراض على التطهير العرقي بحق الفلسطينيين أو استخدام التجويع كأداة حرب أو التسبب في كارثة إنسانية، كأنه إيمان بنظريات المؤامرة ضد اليهود.
وقع الحادث عندما قُتل كل من سارة ميلجريم ويارون ليشينسكي، وهما موظفان في السفارة الإسرائيلية، أثناء مغادرتهما فعالية في متحف اليهودية بواشنطن. وصرّح السفير الإسرائيلي بأنهما كانا مخطوبين. أُلقي القبض على المشتبه به إلياس رودريجيز في مكان الحادث، وهتف عند اعتقاله: "الحرية لفلسطين!"، كما أبدى إعجابه بالجندي الأمريكي آرون بوشنيل، الذي أحرق نفسه أمام السفارة الإسرائيلية تعبيراً عن رفضه للإبادة الجماعية. وجهت النيابة الأمريكية إليه تهمتين بالقتل من الدرجة الأولى.
ورغم خطورة الحدث، استغله نتنياهو لأغراض سياسية، خاصة وسط أزماته الداخلية وتراجع شعبيته، ليحوّل الضحيتين إلى منصة للهجوم على دول حليفة بدأت تعترض على ما يحدث في غزة. ففي مؤتمر صحفي، زعم وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر أن عملية القتل نتجت عن "تحريض معادٍ للسامية"، واتهم دولاً، خصوصاً من أوروبا، بترويج "فرية دم حديثة" باتهام إسرائيل بارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
وجّه ساعر اتهاماته ضمناً إلى فرنسا وبريطانيا وكندا، التي أصدرت بياناً مشتركاً في 19 مايو يدين العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، وانتقد السماح بكميات غير كافية من الطعام للمدنيين واعتبر ذلك انتهاكاً للقانون الإنساني الدولي. وطالبت الدول الثلاث إسرائيل بوقف عملياتها ورفع الحصار، مهددة باتخاذ "إجراءات ملموسة" في حال عدم الاستجابة.
في 20 مايو، أدان وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي تجويع مئات الآلاف من المدنيين، واستنكر تصريحات وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش الذي دعا إلى "تطهير غزة" و"تدمير ما تبقى منها"، مؤكداً أن هذه الخطط تهدف إلى ترحيل الفلسطينيين إلى دول أخرى. أعلن لامي تعليق مفاوضات اتفاقية التجارة مع إسرائيل، وفرض عقوبات على أفراد وجهات متورطة في مشروع الاستيطان غير القانوني.
ردّت وزارة الخارجية الإسرائيلية على الموقف البريطاني بوصف العقوبات بـ"المؤسفة"، وادّعت أن الحكومة البريطانية تضر باقتصادها بسبب "هوسها المعادي لإسرائيل".
لكن نتنياهو ذهب إلى أبعد من ذلك في تسجيل مصور، إذ شبّه شعار "الحرية لفلسطين" بـ"يحيا هتلر"، مدعياً أنه الشعار ذاته الذي استخدمه من وصفهم بـ"الإرهابيين" في 7 أكتوبر 2023. واتهم فرنسا وبريطانيا وكندا بمكافأة من وصفهم بـ"القتلة والمغتصبين وخاطفي الأطفال"، واعتبر إنشاء دولة فلسطينية بمثابة مكافأة للإرهاب.
يرى نتنياهو أن أي كيان فلسطيني سيكون حتماً تحت سيطرة "متطرفين" يطمحون إلى تدمير الدولة اليهودية. ومن خلال هذا الطرح، يحاول تبرير العمليات العسكرية الإسرائيلية على أساس "الأمن القومي"، وتصوير كل المعارضين لها كأنهم معادون للسامية، وتصوير الفلسطينيين كتهديد وجودي.
رغم وجود عداء تاريخي ضد اليهود، إلا أن رفض السياسات المبنية على التعصب الديني أو العنصرية أو انتهاك حقوق الإنسان لا يُعد معاداة للسامية. المفارقة المؤلمة أن نتنياهو ومن حوله كانوا سيستنكرون قتل شخصين خلال فعالية تتعلق بالمساعدات الإنسانية، لولا رغبتهم في استغلال الحادث سياسياً. وبينما يتصاعد الجنون في غزة، يظل الضحايا مجرد أدوات في لعبة التلاعب والدعاية.
https://www.middleeastmonitor.com/20250525-the-killing-of-israeli-embassy-staffers-netanyahus-antisemitism-canard/